وتظلُ التحديات رمز الكفاح , من أجل الوصول , منذ أن غادر الأب الوطن الذي كان فيه , فلم يكن بقاءه فيه كافياً ليتعلم ويُعلم , ولم يكن له ذلك دون أن يتألم , لأنه يجب أن يجوع ليبحث عما يشبعه , ويجب أن يعطش ليبحث عما يروي ظمأه , ويجب أن يقسو عليه الوقت وتقسو عليه الظروف ليتعلم خبرة جديدة تحميه من أن يبقى رهينا لويلات ألم الوحدة ,
وألم التوهان ,
وألم الحيرة .
أنه أنا وأنت وهو وهي ,إنه كيان الإنسان الغارق في متاهات الحاجة منذ أن وجد نفسه في غير وطنه الذي كان أميراً يتدلل فيه .
إن المهمة الصعبة لم تكن في عملية البحث فحسب أو الوصول فقط إلى لقمة تسدّ جوعته أو شربة تروي ظمأة أو رفيق يُلاشي ألم وحدته أو قمة عالية تليق به ليسكن إليها , كلا , ليس هذا فحسب .
ولكنها مهمة التحدى لمن وجدناه معنا يلازمنا بضبابية وجوده التي لاتكاد أن تنفك عنا .
إنه قائد الخذلان الذي نصّب نفسه زعيماً ليقودنا للفشل ,
الذي لم تكن له مهمة غير هذه المهمة , إنه ذلك الكيان الناري الذي لايفهم غير لغة اللهب , ولا يعيّ غير نظرات الغضب , ولا يجد نفسه إلا بالتصادم الذي يقهر به الصامدون أمام تحدياته العرجاء .
ياله من كيان لايدرك معنى الإنسانية , وبإختصار , لسبب بسيط : لانها لا تمت له بأي صله .
من هنا كانت بداية القصة لهذا التحدي , فكانت المهمة صعبة جداً جداً على من ينتمون لبني البشر , صعبةٌ على من فهموا وقدروا معنى كونهم ينتمون للمدعو
" إنسان "
فنجح في تلك المهمة من أدرك المغزى وقرأ واستقرأ بوعيٍ كل الأحداث قبل وبعد وماذا بعد , وقبِّل التحدي عندما آتى دوره بكل إصرار وثبات , وفي المقابل انتكس فيها من غويّ, ووجد فيه إبليس وأعوانه , تربة خصبة ليزرع في مضغته شتلات الحسد والغيرة , التي اخترعها بمحض إرادته , عندما شاهد ذلك الكيان الطيني البارد , فأخذ عهداً على نفسه أن يبذر تلك الشتلات في قلوبهم وفي نفوسهم متى ما سنحت الفرصه , لأنه سيكون ملاصقاً لهم غير بعيد عنهم .
فيا لأسفي عليهم , وجد فيهم هناك , ممن ينتمون للطين البارد , قلوباً فارغة , وعقولاً ساذجة , فبذر فيها أولى بذور الكبر والغرور , لأنه يعي جيداً أنها الطريق الأول للهلاك , تماما مثلما كانت طريقه الأولى للفشل .
ياله من مسكين فاشل ذلك الكيان لانه ارتدى وشاح الكبر الملتهب غيرةً وحقداً , من أجل البحث عن أفضليةٍ مزعومة فضلها التفكير الشيطاني لاغير , وهي في حقيقتها سخافة ُتفكير, ضحلٍ , ملتهب , ليس له واقع غير ( أنك لست أفضل مني ياكيان الطين ) .
لقد ظن إبليس حمقاً عندما ـ أراد الله له هذا الظن ـ لحكمه يعلمها باريه وموجوده , أن النار أفضل من الطين ..!
ياااا لغبائك يا إبليس أولم تعلم أن من الطين ينّبت الأخضر , والأحمر , والأصفر , ؟!
وقد نسي الأحمق الناري أن النار تأكل الأخضر , والأحمر , والأصفر .
نعم , لقد نسيَّ إبليس , أو انه تناسى , أو انه جاهل أو تجاهل , أنه لا أفضلية لأحد على أحد وأن الفضل والملك كله لله .
ولكنها الحماقة و الجهل اللذان دفعاه أن يكون قائداً للفشل مع مرتبة الشرف ..!
ومنذ تلك اللحظات مسك المسكين تحدياً , لواء الفشل ليجمع تحت رايته أكثر بني البشر . وليس الإنسان ..!!
وإلى هذه اللحظة لازال يصارع من أجل الوصل لما يريد , فــ أعد الكثير من العدة والعتاد , واقترب من الكيان الطيني كثيراً , فوصل لدمه ليجري فيه , ليعرف كل ثكنات ذلك الكائن ليوقع به , اقترب منه ليفهمه , فكيف له أن يخطط وينجح في مهمته وهو لايعرف مسالك الطرقات والأبواب إليه والمخارج منه .
ولكنه يظل في كل تكدس بشري فئة " إنسانية " ليس له عليهم سلطان , إنهم من حملوا راية المهمة الصعبة , وسلكوا طريق التحدي الشاق بكل يقين , أنه لن يقودهم للفشل , مهما كان يمتلك من قوة ومن ذكاء , لأنهم لسبب واحد فقط , لايرضون بالهزيمة , وقد أخذوا على عواتقهم الوصول ولو دفعوا أرواحهم فداءً من أجل العودة لوطنهم الأصلي .
لانهم يعلمون يقيناً أنهم هناك لن يبحثوا عن أي شيء أبدا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق